الاثنين، 4 مارس 2013

آثار قلعة ميس - جنوب لبنان

آثار قلعة ميس - جنوب لبنان

قلعة “ميس”
مهددة بالزوال

السفير --  (الثلاثاء، 9 آذار «مارس» 2004)
كامل جابر
قلعة ميس
ما تبقى من "قلعة ميس" جنوب الزرارية
     لم يشفع الصيت التاريخي لقلعة “ميس” أو “قلعة أبي الحسن”؛ ولا مكانتها في الحروب الصليبية وما طرأ بعدها من معارك وغزوات، استهدفت جبل عامل ، في تصنيفها معلماً لبنانياً تاريخياً أو أثرياً، أو حتى سياحياً؛ فتناهشها الإهمال؛ وقوّضها النسيان؛ فضلاً عما تعرضت له من مسّ ونهب، لحجارتها في فترات متعاقبة، اضافة الى تاثير العوامل المناخية، فراحت تذوي. وإذ بالأبراج والعقود والقناطر وما يحوطها من أسوار مرتفعة، من صخر وحجر، تلوح وكأنها كومة أحجار. ليس ذلك فحسب، بل انها تحولت الى زرائب لمبيت الماعز، التي تغلغلت في غرفها الضخمة القائمة على عقود سميكة ضخمة، أو داخل خاناتها وأبراجها الدائرية المتآكلة، بعد “نهب” حجارتها الأثرية الجميلة. حتى أن الأبراج الخارجية المطلة من علوّ على جهاتها الأربع، انهارت جميعها، بعد تداعي مجمل السور الرابط بينها؛ ولم يبق منها غير واحد، آيل هو الآخر نحو السقوط.

تطل قلعة “ميس”، القائمة على مرتفع لا تقل مساحته عن عشرة دونمات، على بقاع واسعة من الجنوب وقرى “عاملة”. وتقع بين الزرارية جنوباً وأنصار شمالاً وبريقع شرقاً و”وادي جهنم” والبحر غرباً. ويمكن من القلعة رؤية بعض قرى صيدا والنبطية وصولاً إلى قلعة الشقيف؛ وقرى تبنين والقطاع الأوسط. وكيفما تدور في أرجاء الحصن، تكتشف من ارتفاعه خبايا جبل عامل وتلاله ونتوءاته.

أثر قديم 

     تتحدث الأدلة التاريخية بإسهاب عن وجود قلعة او حصن “ميس”، توزعت في تحديد عمرها بين الألف سنة هجرية، أو ما يتجاوز الثلاثمئة سنة، لتكرس حقيقة دامغة لم تغيّبها المراجع، ان هذه القلعة أثرية، شهدت فتوحات وعاصرت معارك فر وكر دارت في رحاها. فقلعة ميس، أو قلعة أبي الحسن، البالغة القدم لم تخل مراجع جبل عامل التاريخية من ذكرها مع قلاع فيه قديمة، كالشقيف وتبنين ونيحا وهونين وغيرها؛ ومما جاء في بعضها: “قلعة أبي الحسن في ساحل صيدا وتسمى اليوم قلعة ميس، خراب. وهي من بناء بعض أمراء المسلمين. (خطط جبل عامل للسيد محسن الأمين). وقلعة أبي الحسن في معجم البلدان (لشهاب الدين البغدادي): “قلعة عظيمة ساحلية قرب صيداْ بالشام، فتحها يوسف بن أيوب، وأقطعها ميموناً القصري مدة، ولغيره، ويظن انها المسماة قلعة ميس”.

ويقول الشيخ ابراهيم آل سليمان في (بلدان جبل عامل): قال عمي: “قلعة ميس في وسط سهل واسع جنوب قرية أنصار”. وقال ابن الخال الفاضل السيد حسن هاشم: “ان قلعة ميس بين صير وكفرصير جنوبي أنصار”، وفي قاموس لبنان: قلعة ميس تابعة مديرية النبطية. من محافظة صيدا. سكانها 5 كاثوليك.

واقع مزرٍ 

ماعز داخل قلعة ميس
ماعز “يتحصن” داخل القلعة
     في الوادي القريب، جنوباً، تنتشر عشرات البساتين في التخوم الشرقية للزرارية. ويردد أبناء المنطقة والجوار، أن جدران بعض هذه البساتين، هي من حجارة القلعة. وان معظم “الحصن” شوّه بعد تدمير سوره وأبراجه، في الربع الأخير من القرن المنصرم، من دون أي رادع. ثم عملت الجرارات على نقل حجارته إلى عدد من البساتين، أو بيعها بأثمان بخسة.

تركت عوامل الطبيعة والطقس آثارها البالغة على القلعة الحصن. وساهم عبث الفاتكين، في تداعي أقبيتها وغرفها وسقوفها وقناطرها العلوية والأطلال العتيقة، خصوصاً ما كان قائماً وظاهراً على المساحة المستقيمة من “ظهر” القلعة، فتناثرت الحجارة في أكثر من مكان، ثم نقلت إلى خارج القلعة؛ حتى أن بعض القناطر التي كانت قائمة من سنوات قليلة، انهارت هي الأخرى وغابت. ويلاحظ أن الرعيان غيّروا المعالم الخارجية للغرف والخانات والزنزانات القديمة، سدّوا العديد منها أو أزالوا بعضها الآخر، أو أحدثوا كوات ومنافذ في الأبراج والأقبية، لتتناسب مع جمع وفرز المئات من رؤوس الماشية؛ بما يمنع غير الرعاة من الدخول إليها، بسبب تراكم الروث ورائحته وتكاثر الحشرات، أو لسبب آخر يتعلق بالظلام الدامس.

يؤكد أبناء الزرارية أن القلعة شهدت، في الفترة السابقة، خصوصاً في إبان الأحداث اللبنانية، حيث كانت تحت وصاية بعض المنظمات الفلسطينية ولاحقاً “حركة أمل”، هجمة واسعة من قبل المنقبين أو الباحثين عن الآثار والأواني وغيرها؛ ولم يثنهم ذلك، عن حفر أرضها ودهاليزها، أو دكّ بعض الجدران. ويرجح عضو مجلس بلدية الزرارية صفوان مروة “أن المنقبين وجدوا ضالتهم من بعض الآثار التاريخية ونقلوها إلى منازلهم أو باعوها، فضلاً عن نقل بعض الأجران والمنحوتات لتزيين باحات بعض منازل المنطقة”.

ويرصد في ناحيتها الغربية سقوط أحد السقوف الحديثة العهد، الذي هدّ تحته عدداً من القناطر والعقود وحولها الى كومة من الحجارة. ومن يقصد القلعة، يجدها في حال احتضار، كأنها بدأت تلفظ أبراجها الأخيرة وعقودها وقناطرها وسورها وجدرانها، من دون أن تكلف الدولة اللبنانية، أو المديرية العامة للآثار، من يعمل على إنقاذ البقية المتبقية من هذا الحصن الموغل في التاريخ وحقباته المجيدة، مثلما لم تراع يوماً صون اسمها والخراب المتبقي منها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق