صيف 1993 ‎إنطلق فَجرُ الحُلم الذي لازم أبا موسى، منذ طفولته، بدأ يرسم خارطته في مخيلتيه، يعقد الجسور، ويربط الخيوط، يُعدل ويمزج الخارطة في دلالة على مدى الشغف المتربص داخل يوسف شعبان، لتجسيد دفتر لبنان الفني،بهيئة قلعة تغرف داخلها كل ألوان الفن،من الأدبي،للسياسي فالتراثي "أسعى لكي يَشعر زائر مملكتي، أنه في حلمه الخاص، يرمي مزيفات الحياة خارج أسوار القلعة، ويخلع نَعل همومه، ليطأ إعجاز فني من نوع فريد"،يشبهه أبا موسى بـ"قصر الروح النابضة بالأمل".
فرادة إبداعية تبرز تجلياتها على "قصر الاحلام"، الباسط حضوره بعشقٍ جنوني على أرض الجنوب، "انا فنان بالفطرة،لم اتعلم لا أصول النحت ولا فصول العمارة، ولكنني يافع الفطرة الفنية،مُحدِق النظرة الابداعية، وهذا بحد ذاته تجليا كبيراً يُميزني"،يرمي الكلمات على أمواج المنحوتات المتبعثرة في حديقة القلعة،"التي تفترش مساحة 5 ألاف متر مربعاً،مؤلفة من تسعة أبراج،"أبراج يوسف وإخوته التسع"، ومدخلين رئيسين، وخمس طبقات تروي سيرة لبنان بتاريخه وثقافته وحضارته وتراثه، تأخذ شكلا دائريا،مزج داخلها أبو موسى الحضاره الاسلامية مع البيزنطية، فولدت حركة سحرية فنية "قلعتي هي لا تشبه أي قلعة أخرى، هي خارطة عائلية، تبدأها من بوابتي المدخل، ذُيلت الاولى بإسم أمي وأبي، فيما نسبت الثانية لي ولشقيقتي، وثلاث شرفات هو أبنائي الثلاث، ومدخلها الأساس زوجتي.


ما يميز "قلعة الاحلام"، انها لا تشبه الا ذاتها، فبساطة التصميم على غرابة التنفيذ، مضافٌ اليها الدقة في العمل الفني النحتي، يراه أبا موسى أنه "التألق الفني في حد ذاته، ما نفذته يصعب على أي مهندس تنفيذه" يقول وهو يتابع نحت لوحة القلعة التي سيضعها في إحدى زواياها، "أعمل لكي يشعر من يزورها أنه يدخل عالم أخر من الفن والثقافة والإبداع".
تقدم القلعة للزائر فرصة التعرف على أدباء لبنان من جبران خليل جبران إلى أمين الريحاني، أمين معلوف، إيليا أبو ماضي،رؤساء لبنان، وسياسيوه، وغيرهم، عبر منحوتات صخرية من الرخام وحجر الصخر والطين تقابلها، بعضها تتذكره والبعض يستطرد ابا موسى في التعريف عنها،"أضع تراث وتاريخ، عباقرة لبنان أجسدهم بلوحات ناطقة بحرف التراث، المتحرك، هذه ستكون كلها في جناحات القلعه الخمسة.


"هو عفريت فني" "فنان ورسام ونحات يقدم خلطة سحرية فريدة مكنته من التفرد بنوعية قلعته ذات الحجر الغريب،"حجارتي مرصوصة بحب،لاتجدها الا هنا،هي من إبتكاري، مكونة من الطين والرمل والترابة، أخضعتها لعدة تجارب، إلى أن رست على ما هي عليه "يقول وهو يشير إلى جمالية الهندسة "إنها هندستي الخاصة، التي تدخلك إلى التراث، تعيش أبعاده كلها، قبل أن تتذوق الشِعر،وتشرب من النهر الادبي، لتنتقل إلى جناح خاص بالإمام المغيب السيد موسى الصدر، لتعبر على جناح العلم إلى علماء لبنان، قبل أن تنتقل على متحف الحيوانات المتحجرة "من الديناصور إلى النسر، النعامة، الأسماك والنعاج، "نحتٌها بعرق الجبين،لأضع بصمتي على صورة لبنان، الفنان يجسد كل شي، فأنا جسدت وطن"، لينتهي بك المطاف في نَزل صغير لراحة الزائر، يمكنه تذوق الأكل التراثي.

جُنونٌ عبقري تتلمسه داخل أروقة تلك القلعة الغريبة،الفريدة بجمالها،التي رغم أنها لم تنجز بعد،إلا أنها أضحت محط كل تواق لرؤية قلاع متكاملة، غير هزيلة، "قلعتي أصبحت في ريعان الشباب، ما زالت تنتظر أن يكتمل عمرها، لتصقل جذور تاريخ أبى الا أن يدوس أرض تلك القرية، التي أحاول أن اجعلها مفتاحا للسياحة التراثية التاريخية من بابها العريض".
إذاً يشارف الحلم أن ينته، بعد أن أنجز كافة اللوحات النحتية، التي تجاوزت الألف، يضع أبو موسى اللمسات الاخيرة، يمضي الكثير من الوقت في عقر اللوحات ينحت ويصمم، ليكمل لوحة "مشروع يحاكي صورة لبنانية ذات بصمة جنوبية، أنا أعتبر أن لبنان لوحة،وأنا أضع بصمتي داخلها"، كثر شبهوا قلعته بقصر موسى المعماري" هو لا يشبه قلعتي، قلعتي مختلفة، بكافة أبعادها"، يصمت قليلا قبل أن يشير إلى أن "الخطوة القادمة ستكون لشخصيات السليكون التي ستكون لشخصيات مميزة جدا".
تغيب الدولة عن إبداع الافراد، ويغيب معها الحضور الجوهري، بيد أن الإرادة تصقل قدرات فنانون أبوْ الا ان يُسطرُو الفن، بكافة قوالبه على أرض جنوبٍ، يفتح اليوم أبوابه للفن السياحي، وما قلعة أبا موسى الأ خيرُ شاهدُ على عزيمة جنوبي يبني تراث حضاري "انا امد لمد جسر عبور ثقافي فني تراثي سياسي بين جيلين، ليقرؤا التاريخ بمنظار أخر، أنا لا أتاجر بالفن، أنا أبدع فيه لتراه الناس".