غسل الكلى في بنت جبيل ومرجعيون «ينظّف» جيوب المرضى
لا إحصاءات عن عدد مرضى الكلى في قضاءي بنت جبيل ومرجعيون، إلا أن الأكيد أنهم بالعشرات وهم يعانون معاناة مزدوجة في ظلّ غياب مراكز غسل الكلى في منطقتهم
بنت جبيل | يقطع مارون مخّول (19 سنة)، من بلدة رميش، مسافة 135 كيلومتراً أيام الثلاثاء والخميس والسبت من كلّ أسبوع، للوصول إلى مركز غسل الكلى في بيروت. هو واحد من عشرات مرضى الكلى الذين يعانون من عدم توافر مراكز لغسل الكلى في منطقتي بنت جبيل ومرجعيون، فيضطرّون إلى الانتقال بين يوم وآخر إلى مراكز الاستشفاء في صور وصيدا وبيروت، ما يزيد من الأعباء المالية والجسدية عليهم وعلى أهلهم.
الرحلة التي يقطعها المرضى للوصول إلى المستشفيات لا تقلّ ألماً عن معاناتهم خلال خضوعهم للعلاج. يقول فاروق، والد مارون، إن ابنه «يضطر إلى الاستيقاظ عند الرابعة صباحاً للذهاب إلى مركز الغسل في بيروت. ينهكه مشوار الطريق، وخصوصاً في طريق العودة بعد معاناة الغسل الصعبة. يستأجر سيارة تاكسي لتقلّه الى بيروت، ولا يعود إلى المنزل إلا بعد الظهر، ما جعله مضطرّاً إلى ترك مدرسته والتفرّغ للعلاج. وأحياناً كثيرة تضطرّ أمه إلى الذهاب معه فتصبح التضحية صعبة على كل أفراد الأسرة المؤلفة من أربعة أفراد، رغم أن لي ولداً آخر يعاني أيضاً من مرض الكلى، لكنه لا يحتاج الى الغسل». ويذكر فاروق أن «مارون كان قد خضع، قبل عام تقريباً، لعملية زرع لكليتيه عبر جمعية وهب الأعضاء، لكن التهابات الكلى عادت من جديد لتعيده إلى معاناة الغسل الصعبة، والمكلفة أيضاً، فأجرة الطريق تزيد على مئة دولار أسبوعياً، أما الأدوية التي لا يغطيها الضمان فهي أكثر من ذلك بكثير».
في قضاءي بنت جبيل ومرجعيون ثلاثة مستشفيات، إضافة إلى العديد من مراكز الاستشفاء الخاصة والعامة، وهي مجهّزة بأحدث التقنيات الطبية، لكنها تخلو من أجهزة غسل الكلى. وهذا ما يدفع فاروق إلى القول إن «مرضى الكلى مصابون بمرض أسوأ من المرض الذي يعانون منه، وهو مرض الدولة الظالمة التي لا تكترث لأحوال المرضى ولم تسعَ يوماً الى متابعة أحوالهم والعمل على تأمين الرّاحة لهم، رغم أنها تنفق ملايين الدولارات على أمور أقلّ أهمية».
زهرة الهواري (67 سنة) تعاني من المرض عينه وهي «تذهب ثلاث مرّات في الأسبوع، منذ ثماني سنوات، إلى مركز غسل الكلى في صور. تنهض في الصباح الباكر لتعود بعد أكثر من 6 ساعات»، ينقلها ولدها محمد إلى صور، رغم أن مركز عمله في بنت جبيل. يروي: «استئجار سيارة التاكسي يؤخّر والدتي كثيراً عن العودة الى منزلها، فبتّ مضطرّاً إلى نقلها مع مريض آخر إلى مركز الغسل في صور، لأن المريض وحده لا يستطيع القيام بهذه المهمة الصعبة والخطرة خصوصاً بعد الغسل، ما يعني أن عليّ النهوض باكراً جداً لإيصالهما إلى مركز الغسل ثم العودة إلى عملي في بنت جبيل، فيستغرق ذلك قرابة ساعتين. وعند العاشرة صباحاً، أترك عملي مجدداً لأعيدهما الى المنزل، وهذا يكلفني نحو 90 ألف ليرة أسبوعياً، عدا عن نحو 400 ألف ليرة شهرياً ثمن الأدوية لوالدتي التي باتت تعاني من عدة أمراض، وخصوصاً ارتفاع الضغط بسبب بعد المسافة».
على الرغم من هذا الواقع، يبدو أن أياً من المعنيين لم يجر إحصاءً لعدد مرضى الكلى في بنت جبيل ومرجعيون. وإن كان مجرد السؤال يوحي بأنه غير قليل وهو يزداد يوماً بعد يوم. إذ يقدّر الطبيب المختصّ بمعاينة مرضى الكلى في بنت جبيل علي عباس العدد في بنت جبيل وحدها بما يزيد على 40 مريضاً، «وقد أحصيت في عدة قرى مجاورة نحو 30 حالة مرضية تحتاج إلى غسل للكلى، يعاني أصحابها من مشقّة التنقل الى مراكز الغسل في المدن وهذا يكلّف المرضى وذويهم أعباءً مالية كبيرة، إضافة الى وقت وجهد كبيرين». يضيف: «يضطر بعض المرضى إلى النهوض في الثالثة صباحاً للوصول إلى مركز غسل الكلى في الوقت المحدّد لهم، ويضطرّون أيضاً إلى انتظار دورهم في المركز، إضافة إلى المدة التي تستغرقها عملية الغسل والتي تزيد على أربع ساعات، وهذا يرهق المريض كثيراً». وفيما يعترف عباس بأن «استحداث مركز لغسل الكلى يحتاج إلى مئات الآلاف من الدولارات»، يوضح أن «في مستشفى بنت جبيل الحكومي مكاناً مخصّصاً لذلك إذا تمّ تأمين مدخل خاص له، لكن أي مركز غسل يحتاج الى 8 ماكينات غسيل كحدّ أدنى، وكل ماكينة لا يقلّ ثمنها عن 50 ألف دولار. الحاجة ماسة جداً إلى ذلك، فالمرضى يعانون معاناة صعبة جداً نتيجة عدم توافر مركز للغسل في المنطقة».
من جهتها، تؤكد المشرفة على مركز غسل الكلى في مستشفى جبل عامل في صور، هدى يزبك أن «عدد مرضى الكلى إلى ازدياد، وأن الذين يأتون من أماكن بعيدة، وخصوصاً من بنت جبيل ومرجعيون عددهم كبير، ويضطرّ بعضهم إلى استئجار سيارات تاكسي بسبب عدم قدرة أقربائهم على الانتقال معهم على نحو دوري (ثلاث مرات في الأسبوع تقريباً)، وبالتالي يتكلفون أموالاً كبيرة، إضافة إلى أكثر من 8 ساعات، بينها وقت الغسل، فنضطرّ أحياناً إلى مساعدة العديد من المرضى مالياً، من خلال جمع التبرّعات، لأن على هؤلاء المرضى أيضاً تأمين ثمن معظم الأدوية اللازمة لهم باستثناء دواء واحد على نفقة وزارة الصحّة».
وهذا ما يؤكده محمد طقّو، من بلدة تبنين، إذ يقول إنه يضطرّ الى اصطحاب والدته ثلاث مرات في الأسبوع إلى مركز الغسل في صور، ما يعني «ترك عملي أو الاضطرار إلى استئجار تاكسي، وفي الحالتين الأعباء المالية كبيرة. ورغم أن الدواء الأساسي الذي يستخدمه كل المرضى هو على عهدة وزارة الصحّة، إلا أن المستشفى يلزمنا بدفع ثمنه الذي يزيد على 55 ألف ليرة، إضافة إلى ثمن الأدوية الأخرى».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق